الآن، كم أنا وحيد وحزين بعيدا عنك، وفي حضرة جلالة هذا الحضور الباهت الذي يدثرك قريبا مني، وبعيدا عن روحي، روحي التي كانت تحج إليك، أينما كنت في تلك المنافي الكثيرة، والديار القصية التي لم يتعبني السير إليها يوما، لأني دوما كنت احمل لك حلما، ووعدا وأشجانا، وعدتك أن أهبك وردة بيضاء، ومعصما من حرير.
وعدتك كثيرا ووعدتني كثيرا، ومنيتني طويلا أن يكون لقاءنا عرسا أسطوريا، ويكون لنا بيتا جميلا وأطفالا مشاكسين مثل عينيك المراوغتين في خفر.
والآن، معك أنا، وأنتي معي، وحيدين، وبعيدين جدا عن لوعة الشوق التي كانت تسكننا وتسلمنا للاماني العريضة، ليس بيننا الآن سوى هذا الصمت العريض، والارتياب الذي لا ينتهي، ريبة الحب وارتياب الأشواق التي أخطأت طريقها يوما، ولامست قلوبا أخرى، لا قلبي أنا ولا قلبك أنت
قلوب أولئك الذين مروا بالقرب منا في تلك الرحلة الطويلة التي مشيناها بحثنا عن مكان للقاء، لقاء أتى متأخرا، أتى بعد أن هدأت نبضات القلب وخفت أهازيج الروح الواعدة بحب وشوق لا ينتهي.
حين التقينا يا حبيبتي بعد كل هذا العمر الذي قضيناه في انتظار شيء ما، ووعد قطعناه للحنين، اخلف الحنين موعده معنا، وتاهت الأشواق عن مكان لقاءنا الحميم والبارد جدا
الآن يا آية الحب الكبرى في زمن لا حب فيه، لا حب دائم يسكنه، ولا شوق مقيم يعتريه، زماننا هذا، الذي أنا وأنتي فقط فيه والصمت بيننا، ضحايا رحلة العمر الطويلة في انتظار هذا اللقاء، في انتظار شيء ما خالج القلب، وتاهت وذهلت عنا خلجاته الآن، كم كانت طريقنا سعيا لبعضنا قاسية وقادرة على إفراغ القلب من أشواقه، تبددت الأشواق بعيدا، تقاسمتها القلوب العابرة رفيقة الدروب الوعرة.