[justify]
كتبها: عمار بن طوبال
لماذا نسارع نحن العرب دوما لتعليق فشلنا على الآخرين، ولعن الظروف التي جعلتنا هدفا لكل طامع وحقود يعمل ليل نهار من أجل القضاء علينا وتشتيتنا وإضعافنا، هل نحن حقا بهذه الأهمية التي تجعل الدول العظمي تتآمر علينا وتوظف المال والجهد في سبيل إبعادنا عن مسارات التقدم والازدهار.
كثيرا ما نسمع رجال السياسة عندنا يرجعون كل كارثة تحل بنا إلى أيادي أجنبية تعمل على زعزعة استقرار البلد، كما نسمع مفكرينا أيضا يقولون بنفس النظرية لتبرير فشل المشاريع الفكرية الكبرى التي راهن عليها المثقف العربي كثيرا كالنهضة، الوحدة العربية، القومية، الدولة الإسلامية...إلخ.
يشترك في هذا المثقف الإسلامي والإصلاحي والعلماني والتقدمي، فجميعهم يرجعون أسباب الفشل إلى تدخل الأيادي الأجنبية وعملها على كسر صيرورة التقدم والنهوض التي يدعو لها ويقودها التيار الفكري الفلاني لصالح تيار آخر يعمل ضد مصالح الأمة.
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فترة سطوع نجم التقدمية واليسار العربي كان المثقف الإسلامي أو الإسلاموي كما يسميه اليساريين يرجع أسباب فشله في احتلال مواقع مهمة على الساحة الوطنية والقومية لأيادي أجنبية إلحادية ( يقصد موسكو والأممية الاشتراكية ) التي تعمل من خلال عملائها في السلطة وفي أوساط المثقفين على محاربة المشروع الإسلامي الذي يهدد مستقبلها ليس في العالم العربي فحسب ولكن في كل العالم، فالمثقف الإسلامي ومشروعه السياسي والاجتماعي ضعيف، لأن هناك قوى عظمى تحاربه، وعاجز عن إيجاد موطأ قدم له لأن اليساريين يسيطرون على السلطة أي يمتلكون وسائل العنف الشرعي التي يوظفونها في اضطهاد أنصار المشروع الإسلامي.
وعندما انقلبت الموازين بداية من أواخر سبعينيات القرن الماضي وسطع نجم الإسلام السياسي الذي اكتسح الساحة السياسة والإعلامية من خلال ما يمتلكه من نفود اقتصادي ومالي مكنه من السيطرة على الشارع بداية التسعينات، في نفس الفترة التي هوى فيها نجم اليسار بعد السقوط المدوي للمعسكر الاشتراكي، كانت التهمة جاهزة على أفواه وأقلام المهزومين والمندحرين: أن الأصولية الإسلاموية المدعومة من دول البترودولار ( يقصدون السعودية تحديدا ) والتي تعمل لأجل تحقيق أهداف أمريكية سطرها خبراء البيت الأبيض والبنتاغون، هي السبب في ضياع حلم القومية العربية والاشتراكية ومجتمع العدالة الاجتماعية الذي بشر به المثقف اليساري العربي الذي ما زال متمسكا بأوهامه القديمة في عودة أطياف كارل ماركس.
ركزت عن عقدة المؤامرة التي تسكن المثقفين العرب الذين يفترض فيهم نظرا لوظيفتهم الاجتماعية كمثقفين إعمال العقل والنظر ببصيرتهم قبل بصرهم للأشياء، تلك البصيرة الغائبة في ظل عقل يستقيل عن أداء وظيفته.
ولكن لماذا نبرر نحن العرب فشلنا دائما بالاستناد إلى نظرية المؤامرة المستحكمة في الذهنية العربية؟
عقدة المؤامرة من الناحية النفسية تقوم بدورين أساسيين:
أولا: تمنحنا إحساسا بأهميتنا في هذا العالم، وهي أهمية مفقودة في الواقع غير أننا لا نستطيع الاعتراف بذلك، لأن في الاعتراف بهواننا جرح لنرجيستينا المفرطة، وهذا الإحساس بالأهمية يغذيه الاعتقاد بأن الآخرين يتآمرون علينا ويكيدون لنا موظفين كل ما يملكون من قدرات مادية ومعرفية فقط من أجل إبقاءنا على حالة الضعف والتشتت التي نحن عليها.
فبالرغم من ضعفنا إلا أننا نشكل خطرا على الآخرين وتهديدا حقيقيا لهم، فأهميتنا تنبع من القوة الداخلية التي نملكها ( قوة الإسلام، قوة الثروة البشرية، قوة الموارد التي نمتلكها.....)
وامتلاكنا لهذه القوة - وهي قوة حقيقية غير مستغلة ومهمشة بشكل كبير- يولد لدينا أحساسا زائفا بأهمية لا وجود لها في الواقع.
ثانيا: نظرية المؤامرة تمنحنا نوعا من راحة الضمير أو عدم لوم الذات على الفشل الذي نمنى به في كل مشاريعنا المصيرية تقريبا، فليس العيب فينا ولا في قدراتنا ولا في ما بذلناه من جهد في سبيل تحقيق أهدافنا في التقدم والازدهار، إنما سبب الفشل يعود لقوى خارجية لا قبل لنا بالتصدي لها في الوقت الراهن، فتآمرها علينا وعملها على الوقوف في وجه مصالحنا هي التي تملك إمكانات مادية وتكنولوجية وبشرية كبيرة، هو سبب الفشل.
بمعنى أننا دائما نرجع أسباب الفشل لعوامل خارجية وليست ذاتية.
المقولات الأساسية لنظرية المؤامرة التي تسكن الذهنية العربية كثيرة على رأسها الصهيونية واليهود والماسونية وأمريكا والغزو الثقافي....الخ؛ في كل كارثة تحل بنا، هزيمة أو فشل أو فتنة أو أزمة، نسارع دوما للبحث عن الأيادي اليهودية والصهيونية وراء ذلك، وسواء كانت هذه الأيادي موجودة فعلا ولها دور، أم كانت بعيدة كل البعد فالتهمة جاهزة، لأننا ببساطة عاجزين ورافضين لتحمل مسؤولياتنا أمام أنفسنا وأمام الآخرين.
نحن كعرب بارعين فقط في تحميل الآخرين مسؤولية كل الأشياء القبيحة التي حدثت والتي يمكن أن تحدث لنا. إخفاقاتنا السياسية الاقتصادية والاجتماعية وأزماتنا كلها مبررة سلفا.
وآخر ما أثارني في هذه القضية ودفعني لكتابة هذا المقال هو ما يتداول في بعض المدونات من محاولات صهيونية حاقدة لإلهاء الشباب العربي عن قضاياه المصيرية وإدخال المدونين في صراعات بينية تخدم العدو الصهيوني، من خلال مدونات تعمل لحساب الموساد وتحت إشراف خبراء في علم النفس والاتصال هدفهم اختراق عالم التدوين بعدما حققه من نجاحات واستقطاب لفئة مهمة من الشباب.
فيكفي أن يختلف مدون مع آخر ليتهمه بأنه عميل صهيوني، فالمدونة الفلانية صنعية يهودية والمدون العلاني يعمل لصالح مؤسسة يهودية مقرها حيفا ( كمال قال احد المدونين ردا على مدون آخر تهجم عليه أو على صديقة له )، وهذا فصل آخر من فصول نظرية المؤامرة في عالم افتراضي اسمه مكتوب وأيضا في عوالم الانثرنث الافتراضية من مواقع ومنتديات تستسلم لهذه النظرية التي تسيطر بشكل شبه تام على طريقة تفكيرنا.
المصدر: مدونتي على مكتوب
tassust18.maktoobblog.com